من دروب النشأة إلى مواقع التأثير.. محطّات فارقة في حياة الشيخ.. ومواقف مهمّة شكّلت تحوّلات كبيرة في مسيرته العلمية والدعوية (ح: 4)

إعداد: محمدن اليدالي

 

شهادات في حقّ الشيخ
منذ اليوم الأول لرحيل الشيخ، وشهادات الخيرين من أعلام البلد، علماء وأئمة ودعاة وسياسين وأدباء وشيوخ تقليديين ومثقفين وشعراء ومدونين وغيرهم.. تترى وتتابع.. الأمر الذي يجعل مواكبتها تتعذّر، إلا أن ذلك لا يمنعنا من إيراد نماذج منها، -ولو قلّت- وذلك على النحو التالي:
العلامة إبراهيم (المفتي) بنُ يوسف بنِ الشيخ سيدى:
لِفَقد الحَبر تنسَكِبُ الدُّموعُ
وتـتَّـقِدُ الجوانحُ والضُّلوعُ
أُصِيبَ الدينُ يومَ البَيْـن منهُ
فكان مُصابُهُ خَطْبًا يَرُوعُ
مضَى ابْنُ فتًى إلى الأخْرى مُنِيبًا
تُـزَيِّنُه السكينةُ والخُشوعُ 
ولم يكُفى الشريعة بالمُحابِى
 يُخالِجُه التزَلُّفُ والخُنوعُ
ولكن كان يصدَع فىالنوادِى
  بما جاء النبىُّ به الشفيعُ
يَدينُ اللهَ بالتوحيد صِرفا
ويُوقِنُ أنه الرُّكنُ المَنيـــعُ
تناجَلَهُ من الأعلام غُـرٌّ
  غطارفةٌ مَقامُهُمُ رفيــــــــــعُ
لئن قرُبَ المَزارُ فكلُّ مَيْتٍ
 بعيدُ الدارِ، غيَّبَهُ الشُّسُوعُ
يدِبُّ الموتُ فى الغفَلات منا
كأنَّا عن مَصارِعِه هُجُوع
تمُرُّ جُموعُنا كوَمِيضِ بَرقٍ
وتحت الأرض تلتَـئِمُ الجُموعُ
فلا تبعَدْ فإن الموتَ وِرْدٌ
جميعُ العالَمين به شُرُوع
سقَى جَدَثًا تحُلُّ به ربيعٌ
من الرحَمات مُرتَجِزٌ هَمُوعُ
وأبقَى اللهُ فى الأبناء نُورًا
به تزْدانُ هاتيكَ الرُّبوعُ
ودامَ قبيلُهمْ فينا بُدورا
 بِأُفْقِ المَكرُماتِ لها طُلوعُ
الدكتور: محمد ابن أحمد زاروق:
يقول العلامة الأصولي ناصر السنة و قامع البدع الدكتور  محمّد بن أحمد زاروق (الشاعر) في رثاء فقيد العلم والأدب محمد عبد الرحمن بن أحمد الملقب ول فتىً:
ذوَتْ سمُراتُ الحيِّ إذ رحَل السَّمْرُ   
وأمرُ الغَضا مِن بعدِ فقدهمُ إِمْرُ
وطعمُ طِلاءِ الصَّفوِ والأنسِ بعدَهم 
به صَبِرٌ لا يُستطاعُ له صَبْرُ
بنجلِ فتًى صَرْحِ الهُدى خُسِف البدرُ 
وأغطش ليلٌ حالكٌ ما له فجْرُ
كليلِ ابنِ حُجْرٍ بُطْؤُه غيرَ أنّه
به غابت الأقمارُ والأنجُمُ الزُّهْرُ
لهيبٌ مِن الأحشاءِ أَسبَل عاندًا
عصيًّا فلا يُجدِي لإمساكِه حَجْرُ
وقد سُمِلتْ أحداقُ كلِّ موحِّدٍ 
بشوكٍ فدمعُ العينِ منسكبٌ غَمْرُ
يَفِيضُ على فِقدانِ أبيضَ ماجدٍ
تُنيرُ محيّاه الطَّلاقةُ والبِشْرُ
ويُحفِظُه إن قام في النّاسِ منكَرٌ
فليس يُرى للمَدِّ مِن غيظِه جَزْرُ
فللهِ ما أَبهَى عُبوسًا مخيِّمًا
على قسَماتٍ زانها اليَسْرُ واليُسْرُ
أَجِدَّك قد أودت وغيَّبها الثَّرى
مجالسُ إيناسٍ بها الذِّكرُ والفِكْرُ
ويَرعى بها النَّدمانُ مِن كلِّ يانعٍ 
أحاديثَ لم تُملَلْ هي البَسرُ والبُسْرُ
وقد رحلت عنها الوفودُ وصوَّحت 
 مَعالمُها خُرْسٌ ومنزلُها قَفْرُ
فمَن لكتابِ اللهِ يَحفَظُ آيَهُ 
ويُبدي معانيْها إذا أشكل الفَسْرُ
ومَن لنِظامِ العِقدِ مِن فقهِ مالكٍ
 يُؤصِّلُه مِن سنّةِ المُصطفى شَذْرُ
ومَن للقوافي يصطفيها سُلافةً
كُئُوسًا لذيذاتٍ هي الشَّهدُ والخَمْرُ
ومَن لإباءٍ عن تلاوةِ بدعةٍ
 إذا مدَّها قومٌ فمذهبُه القَصْرُ
به خَجَلٌ مِن أن يُرى متصدِّرًا
وإن كان في كلِّ النُّفوسِ له الصَّدْرُ
وليس يَرى قَدْرًا له مِن تواضُعٍ
ويَعجَبُ أن يُنمَى له الذِّكْرُ والقَدْرُ
ولم يكُ بِدْعًا أن يحوزَ صَدارةً 
فذلك في أغصانِ سَرْحتِه وِصْرُ
عروقُ عِضاهٍ مصَّت العلمَ والتُّقى 
تَهُزُّ فروعًا لاح في مائِها نَجْرُ
يودِّعُ دُنْيَا لم يَهِمْ بسَرابِها 
 وليس له حقًّا بزَهْرتِها زِهْرُ
حَفًى مَسَّه مِن سيرِه بحَفائِه
حَفاءَ فَتًى لم يُسبِه الوَفْرُ والدَّثْرُ
تُورِّثُني ذكراهُ حزنًا وبهجةً
كأنَّ بقلبي يَهتِفُ النَّوْحُ والزَّمْرُ
 أأَبسِمُ مِن تَذكارِ ماضٍ مُنوَّرٍ
أمَ ابكي لكسرٍ ما لثُلْمتِه جَبْرُ
كأنّ حبيبًا قد عناه بلفظِه
ومعناه في بيتٍ به الحُزْنُ والفَخْرُ:
(فتًى كلّما فاضت عيونُ قبيلةٍ
دَمًا ضَحِكت عنه الأحاديثُ والذِّكرُ)
سقت سارياتُ المُزنِ أرجاءَ قبرِه
ودام له مِن مُرثَعِنّاتِها قَطْرُ
كسَتْه مِن الرّحمنِ أثوابُ سندسٍ
وطاب له في الجنّةِ الفَدَنُ القَصْرُ
وأُهدِي صلاتي للحبيبِ سحائبًا 
 بها للهُدى بَهرٌ يفوحُ به نَشْرُ
العلاّمة محمدّو سالم جدّو:
عزاء إلى الغرّ الكرام الأماجد 
أباة الخنى والضيم أهل المحامد
شيوخ الهدى أهل المعارف و الندى 
"إداشغره" لا زلتم سماما لحاسد
حمدناكم لله جمعا ومفردا 
ودمتم بدور الناس حلي المشاهد
وصبرا جميلا إن رمى الدهر بالذي 
تخرّ به صمّ الصلاب الجلامد
فما الناس إلا هالك وابن هالك 
وما الناس إلا فاقد وابن فاقد
وما يستوي ميت طوى الموت ذكره 
بآخر ذي ذكر مدى الدهر خالد
وما كان قيس هلكه هلكَ واحد 
وما ابن فتى والله رزء لواحد
ولكنّه رزء العلوم وأهلها 
وثكل أخي ودّ ويتْم المساجد
فضاء أثير كان يغمر موجه 
وإغلاق شاشات وحزن المعاهد
فكلّا غذى بالعلم غضّا مهذِّبا 
بعقل أخي سمع وعقل المشاهد
عرفناه محبوبا مهيبا معظّما 
يُذمّ لعلياه مكان الفراقد
عرفناه في محرابه متبتّلا 
منيبا إلى الرحمن غير معاند
يقود إليه من غوى عن سبيله 
يردّ عن البيضاء كفّ المراود
غيورا عليها أن يرام جنابها 
شديدا على البدعي نصير المجاهد
مصيبا لدى الإفتاء ليس بمائع 
يحاذي أخا شأن وليس بجامد
حريصا على نهج الرشاد موفّقا 
يراعي لدى الإشكال فقه المقاصد
فمّا همّه هذا الحُطام ولم يكن 
إذا صنّفوا يوما فقيه الموائد
وفي منتدى الآداب حيّ هلاَ به 
وعلم اللغى قد كان جمّ الفوائد
جزاه العلي خير الجزاء بمنّه 
وبارك في الأهلين ذخر الشدائد
وفي بيته يا ربّ بارك وأوله 
سلامة موفور ورفعَ القواعد.
الشيخ محفوظ إبراهيم فال:
عرفت شيخنا محمدن عبد الرحمان بن أحمد الملقب ول فتى زمنا طويلا وصحبته -بحمد الله تعالى- سفرا وحضرا في ميدان التعليم والدعوة وفي ميدان الإدارة وكان عضوا في المكتب التنفيذي لجمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم في سنواته الأولى قبل الإغلاق ثم عضو مجلس الشورى بعد عودتها إلى وفاته وكنت معه حينها فكان أمين العلاقات يقود مجموعة من مشايخ ودعاة الجمعية وصحبته في مركز تكوين العلماء حيث كان عضو المجلس العلمي والتربوي للمركز وكان أستاذ التفسير وسافرت معه أسفارا طويلة وكان الشيخ في كل ذلك الإمام القدوة  والأب الحنون والمربي المؤثر والناصح الأمين والرفيق الشفيق الحبيب القريب لا تحتاج أن تتكلف في معاملته ولا أن تخشى غضبه تأمنه في غيبتك وتجله وتحبه في حضرتك عرفته حميد الخصال كريم الفعال طيب المعشر لينا هينا يألف ويؤلف نحسبه كذلك والله حسيبه تفضل الله عليه بأمور من أهمها؛
- اهتمامه بالعلم النافع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتجرده لهما وتبصره فيهما مقدما لهما على غيرهما لا يجامل في ذلك قريبا ولا بعيدا أحسبه والله حسيبه من (الذين يمسكون بالكتاب)، لا يعنيه كثيرا ما يطلبه المستمعون ولا ما يروج في الناس  وقد اشتهر بتفسيرالقرآن ومن الله عليه بالاشتغال به ونشره في وسائل الإعلام خلاف حال كثير من أهل العلم ببلدنا ممن شغلهم غير القرآن عن القرآن وشغلتهم الوسيلة عن الغاية واعتبروا أنفسهم علماء راسخين وهم في كتاب الله شبه أميين.
- ولاؤه لدينه ولأمته وبذله جهده في نشره علما وعملا ودعوة وسلوكا وذبه عنه ودفاعه في ساعة العسرة وكان في كل مواقفه مع أمته لا ضدها ولها لا عليها وقد التحق بالدعوة أيام محنتها ففي عام 2003 حين سجن الدعاة وطوردوا وسكت كثير من أهل العلم بل وظف البعض منهم في تلك الحرب  كشف الشيخ عن وجهه ورفع عقيرته وحاضر على منبر مسجد الذكر يوم كان مكانا معتادا للاعتقال وموعدا معروفا مع الشرطة بعد سجن الشيخ محمد الحسن ومن معه من الدعاة.
وحين كان الإسلاميون مطاردين وشارك الكثيرون في الحملة عليهم، ودعا داعيهم (من أنصاري إلى الله) لبى شيخنا الشيخ فتى (لا يخاف في الله لومة لائم)  مقداما شجاعا غير هياب ولا مرتاب وصدع بالحق ونصح للخلق  وتقدم في ساعة المغرم لا المغنم والمحنة لا المنحة وظل على ذلك ما بدل ولا غير حتى رفع الله المحنة وكشف الغمة وحين فتحت له أبواب الإعلام الرسمي وعرفه العامة والخاصة وأتيحت للدنيا فرصة إغوائه وإغرائه ظل الشيخ وفيا لدعوته لا تدنيه رغبة ولا تقصيه رهبة لا يتطلع لمنصب ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا.
قوي أمام السلطان وسلطان المجتمع لا سلطان عليه إلا لشرع الله.
كان الشيخ متواضعا في عزة وكان معنا في الأعمال الإدارية يقوده أصغرنا ويقرر عليه ما يشاء ويأمره بما يشاء لا يخشى من الشيخ تلكؤا ولا اعتذارا ولا اعتراضا ولا أنفة ولا استنكافا لا يبالي بالوقت الذي يدعى فيه ولا العمل الذي يكلف به ولا الشخص الذي يديره لا يطلب لنفسه مغنما ولا يعرف لها فضلا وهي صاحبة الفضل والنبل.
كان آية في التحري والخوف من الفتوى والقول على الله بغير علم لا تفتنه الشهرة ولا يستخفه بريق الأضواء ولا يجامل ولا يحابي يقول ما يرى في أدب جم وسماحة عزيزة لا يخاصم ولا يماري ولا يحسد ولا يعادي بل يحب ويصافي نحسبه كذلك والله حسيبه.
- ودعته قبل ساعات من سفره بعد أن اثقله المرض وهو كما عهدته بشوشا ضحوكا راضيا مطمئنا وبالغ في الترحاب والدعاء وخرجت من عنده ودموعي تذرف وانتابني حزن عليه فبل اكتشاف مرضه وبدأت أشعر بألم فقده قبل أسبوع من وقاته وأطرده عن نفسي ذاك الشعور وأبالغ في الدعاء وصرف نفسي عما تجد عليه (وكان أمر الله قدرا مقدورا).
- وضع الله له القبول ووقره المخالف والموافق واحترمه القريب والبعيد نسأل الله أن تكون الآخرة خيرا لنا وله من الأولى وأن يعطينا وإياه رينا حتى نرضى.
- رحل الشيخ من دورنا وبقي في قلوبنا وخلف لنا علمه وحكمته اللهم ارفع درجة شيخنا في المهديين وألحقه بالصالحين واخلفه في عقبه الغابرين واجمعنا به في الفردوس أجمعين اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده اللهم اخلف أمته وأهله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك شيخنا لمحزونون.
العلامة محمد سالم المجلسي:
وقد استهلّ الشيخ محمد سالم المجلسي تعزيته بأبيات قال إنها لم  تكتمل، جادت بها قريحته أثناء سفره إلى قرية الشيخ، حيث اعترضه برق، على غرار ما وقع للعلامة المختار ولد حامد، حسب تعبيره: 
برق تألّق من أقطار آطار
مسرى الخيال ومسرى الطارق الطاري
والأبيات هي:
  أراني لا يطاوعني الروي 
فهذا الجمع جمع شقروي
هنا الآداب جذلى والقوافي 
وحسن اللفظ والسبك القوي
فكيف أصوغ عندهم قريضا 
يجيز مداه ذوقهم السوي؟ 
أما نص مرثاته فهو:
مُصابٌ يَهُدُّ الأخشَبَين اختِبارُهُ..
وحُزنٌ مُثارٌ في البلادِ غُبَارُه
وسَيلُ دُموع يَجرِف الأُنسَ باكِيا..
زَمانا تولَّى لا يُطاق دِبارُه
ترى عندَه الثَّكلَى مُصابَ وَحيدِها..
يَسيرا خفيفَ الهمِّ يُلغَى اعتبارُه
فًذُو الرُّشدِ فينا حائرُ النفسِ ذاهِلٌ..
وذو الصَّبر منَّا غاب عنه اصطِبَارُه
مضى عابدُ الرحمن فالخطبُ ساجِرٌ..
تُذيبُ فؤادَ الثَّابت الجَلدِ نارُه 
مضى عابدُ الرحمن ذُو العلم والتُّقى..
وغَرسِ المزايا حيث كان مَسارُه
إمامٌ حكيمٌ دائمُ البِشر  ناصحٌ..
أديب رشيقُ اللفظِ حُلوٌ حِوارُه
بهِ يُقنَصُ اللفظُ الشَّرودُ وتَنجَلي..
معانيه عن فهمٍ يُفكُّ إِسارُه
ويُقرئ آياتِ الكتاب مفسِّرا..
فتُلقِي يواقيتَ المعاني بِحارُه
وكم بَثَّ من عِلمٍ مفيدٍ مُؤصَّلٍ..
برَوضٍ دَنَت للطالبين ثِمارُه
وَكان إلى التَّوحيد يَدعو مبيِّنا..
وللسُّنة الغراءِ كان انتِصارُه
وكان غِناهُ عن أُولي الطََولِ ظاهرا..
ولله ذي الآلاءِ كان افتِقارُه
وكان خطيبا في المجامع مِصقَعا..
ونَصرُ قضايا المُسلِمين شِعارُه
بَكَتهُأفاويجٌ من الناس صِدقُها..
جَليٌّ، ومرآها جميلٌ منارُه
ويَبكيهِ كُرسِيُّ العلوم ومِنبرٌ..
تطاولَ في ظلِّ البيانِ ازدهارُه
ويَبكيهِ طلَّابُ العلوم بِحُرقةٍ..
وتَبكي النِّساءُ المؤمناتُ، وجارُه
فسامعُ علمِ الشيخ فيمَ انتظارُه..؟
وعارفُ حقِّ الشيخ كيف اعتذارُه !؟
ففيه يُعَزَّى العلمُ والحِلمُ والنَّدَى..
وكَفُّ الأذَى حتَّى يَزولَ ضِرارُه
وروضُ أكاليلِ الفُتوَّة باسما..
ونورُ بَهاءِ الشيبِ يَزهو وقارُه
وفيه تُعَزَّى أََربُعُ العِزِّ والعُلا..
ودَهرُ المعالي ليلُه ونَهارُه 
وأهلٌ له والشَّقروِيُّون كلُّهم..
فدُورُهُمُ طُرًّا تُعزَّى ودارُه
وفيه يُعَزَّى المسلمون جميعُهم..
فهم أصلُه السَّامي به ونِجارُه
سَقى قبرَه الرحمنُ صَيِّبَ رَحمةٍ..
وعَفوٍ وغُفرانٍ يَدومُ انهمارُه
وجاورَ في جنَّات عَدنٍ نَبِيَّنا..
شفيعَ الوَرى مَن يُستَلَذُّ جِوارُه
عليه صلاةُ الله ما لاحَ نُورُه..
وفاحَ هُداه، واستُطيبَ مَزارُه.
الإمام والداعية محمدن يحظيه:
سَمتُ العلماء، و سحرُ البيان ورَونقُ الدعوة الجذّابُ .. في شخصية الشيخ فتى رحمه الله تعالى: لم أكن مستعجلا في كتابة تأبينٍ ووداع لشيخنا محمدن عبد الرحمن ول أحمد "الشيخ فتى" رحمه الله، وذلك لأن الشيخ مدرسة موسوعيّةٌ وأمّةٌ في رجل وجملةُ مواهبَ في عقل حصيف وذهن ثاقب؛
وقد كتب عن الشيخ منذُ الأمس فطاحلة العلماء وأئمة البيان، و أقرانُه من الدعاة والفضلاء فاغترف كلٌّ من معين علمه وسمات شخصيته ونوَّهوا بمناقب ومآثر حميدة فكان فيما كتبوه ثناءٌ جميل ووفاءٌ نبيل ...
وقد كنت ممن لقي الشيخ وسامره وسافر معه وأنصت إلى حلقاته ودروسه ، بيدَ أن هيبته ظلت في نفسي أقوى من رفقه ولين جانبه فما كنتُ اجرُؤ على مبادءته في المسائل والمحافل وإنما كنت أتحين فرصة استفاضته في الدروس والأمالي والنوادي  فأقتنص الشوارد وأغتنم الفوائد وأتملى فصاحة لسانه ونصاعة بيانه وقد دار بخلدي مرة أن حفظه المتدفق وذاكرته الفياضة لا يفي بمواكبة لآلئها واكتناز يواقيتها إلا أن تُبتدر بالتسجيل الشامل والتدوين المستمر؛ فقد لاحظت أنها متجددة ومتنوعة وفيها مراتعُ ومباهج لا سأم فيها ولا تكرار ..
ذات مرة كنا في سفر وكان التعب باديا على الرفقة فابتدروا مضاجعهم وحانت من الشيخ نكتة وأريحية اقتنصها الفتى : سيدي محمد ولد بيات  فاستهل بها حديثا أدبِيًّا مع الشيخ تبينتُ أوائله ثم قلت في نفسي : قد يكون هذا مما سمعتُه قبلُ من الشيخ فتًى ولم أَكَد أُنهي هذا الخاطر حتى استوى الشيخ على ثبَجٍ من التدفق والرواية والإنشاد لاعهد لي به ولم أسمعه من قبل لا منظومَه ولا منثورَه فانتفضت وجلست الى جانب الشيخ فتى تتنازعني مشاعرُ الرفق به والعجب من قوة حافظته ما شاء الله وسعةِ آفاقه ورحابة صدره ، وما أظن الأستاذ " بيّات" ليلتَنا تلك الا قد سجل ووعى فليته نقَّح ونشر وبشّر ...
في المُقتضى الدعوي والمَنحى التجديدي، رأيتُ في الشيخ رحمه الله مُدركا لثابت من ثوابت التجديد وهو أن يكون المُجدد مستوعبا لطبيعة مجتمعه مُلِمًّا بتاريخه و سياقاته، مستحضرا لصفحاته المضيئة وعثراته التي لا مناص منها .. فبذلك يتأتَّى الإصلاح وتتعزز الحكمة وتترفق الكلمة فتأخذُ طريقها إلى القلوب ؛ لم تقصُر عن الطموح ولم تُسرف في الغرابة والتعقيد ..
لقد كان الشيخ فتى رحمه الله سنَدا للدعوة ونفَسا من منهج "الإمام بداه" وعبَقا من أريج "العلامة عدود" وقبسا من أضواء "الشيخ آب ول اخطور" رحمهم الله أجمعين ..
وإنا على فراقه لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي ربنا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أحقًّا عبادَ الله أن لستُ مُنصتا
    إلى الشيخ يُلقي .. درسَه بِبَيان
وينثُر من علمٍ وفقه وسُنة
     أحاديثَ مثل الدر في اللَّمَعان 
ألا يا فتى الأخلاقِ يا شيخَنا الرِّضى
     عليك ... سلامُ الله ... كلَّ أوان
وبوَّأك المولى منازلَ رحمة
       تُسَرُّ بها .. في غِبطة وأمَان

يتواصل